برزت فكرة التحكيم التجاري منذ عصور بعيدة بوصفها الطريقة المناسبة التي تضمن حل الخلافات بين المتنازعين بسرعة وفاعلية تتناسب وطبيعة العمل التجاري، وخلال العصور الحديثة تطورت هذه الفكرة بشكلٍ منظم مع تنامي التخصص في أنواع التحكيم، حتى وصولنا للوقت الحالي الذي أصبح فيه التحكيم أحد الأسس التي تقوم عليها التجارة العالمية، كما بات التحكيم هو الخيار الأول الذي يفضله الكثير من المستثمرين الدوليين كمرجع لحل خلافاتهم مع الدول المستقبلة لاستثماراتهم، الأمر الذي عزز من نمو هذا القطاع بصورة كبيرة في مختلف دول العالم، مدعماً باتفاقات دولية تضمن حقوق جميع أطراف عملية التحكيم .
وفي الوقت الذي شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة خلال السنوات الماضية توسعاً كبيراً في قطاع التجارة وفي جذب الاستثمارات من مختلف دول العالم، كان لا بد أن يواكب ذلك ظهور ونمو كبير لقطاع التحكيم التجاري، فهذا القطاع يعتبر قيمة مضافة للاقتصاد الوطني كونه يسهل على الأطراف المتخاصمة سرعة التوصل إلى حل لخلافاتهم مقارنة بأطراف التقاضي التقليدية، كما أن الالتزامات المالية القليلة على الأطراف تساهم في جعل التحكيم خياراً مفضلاً عند التجار والمستثمرين، وكل هذا أدى إلى تأسيس العديد من مراكز التحكيم في الدولة التي يمكنها أن تلبي جميع الاحتياجات للتجارة المحلية والدولية على السواء .
وفي الوقت الذي يتوسع فيه هذا القطاع يعتقد البعض بوجوب بناء إطار اتحادي يضمن تكامل مراكز التحكيم القائمة ويساهم في تطويرها بحيث تصبح الدولة نقطة جذب لعمليات تحكيم دولية بصورة تتناسب والدور الكبير الذي تلعبه في التجارة الدولية . وتهدف هذه الندوة للتعريف بالأدوار التي تقوم بها مراكز التحكيم التجاري في الإمارات العربية المتحدة، وسبل تطوير عمل هذه المراكز وذلك من خلال استعراض المحاور الآتية:
واقع التحكيم التجاري في الإمارات والتعريف بمراكزه .
معوقات التحكيم التجاري التشريعية والعملية .
سبل تطوير منظومة التحكيم التجاري في الدولة .د . محمد الكمالي:
نستعرض في هذه الندوة واقع التحكيم التجاري في الإمارات والتعريف بمراكزه، ومعوقات التحكيم التجاري التشريعية والعملية وسبل تطوير منظومة التحكيم التجاري في الدولة، وكما تعلمون يوجد في كل إمارة بالدولة مركز للتحكيم، وهناك اختلافات موجودة في كيفية قبول المحكمين في هذه المراكز، وتوجد إجراءات تختلف من مركز إلى آخر .
د . فوزي سامي:
الجميع يعلم أن الإمارات أصبحت من أهم المراكز التجارية الدولية والإقليمية، وفي هذا المناخ يزدهر التحكيم حقيقة، ويكون الوسيلة السائدة من أجل حل المنزاعات بين المتعاملين في مثل هذه الظروف، وتوجد في الدولة عدة مراكز تحكيم، ونستطيع تلمس أهمية التحكيم في أن مراكز التحكيم الخمسة الوطنية الموجودة في الإمارات تستقبل سنوياً مئات القضايا التحكيمية، وجاوزت هذه الأعداد عدة مئات في بعض المراكز، كما هو الحال في مركز دبي للتحكيم الدولي ومركز أبوظبي للتوفيق والتحكيم، وكذلك في مركز عجمان الذي خبر العام الماضي أكثر من 100 قضية، إضافة إلى المراكز الأخرى مثل مركز الشارقة ورأس الخيمة التي تتلقى هي الأخرى قضايا متنوعة .
في التعريف للمراكز أستعرض هنا مركز التحكيم الدولي في دبي، حيث تأسس عام 1994 وكان تحت اسم آخر هو مركز التوفيق والتحكيم التجاري، ثم تطور وتغير الاسم إلى مركز دبي للتحكيم الدولي، ولهذا المركز قواعد جيدة جداً وهي مأخوذة في أغلب نصوصها من القانون الذي وضعته هيئة الأمم المتحدة عن طريق لجنة القانون التجاري الدولي، ومركز دبي يعتبر من أهم المراكز في الإمارات ولديه قائمة من المحكمين المحترفين وعددهم ربما تجاوز المئتين، ويعمل المركز بمهنية وتنظيم عاليين، وفي المركز مجلس أمناء ولجنة تنفيذية وعدد القضايا التي يتولاها سنوياً خلال الخمس سنوات الماضية بين 300 إلى 400 قضية، وفي عام 2012 كانت هناك 430 قضية .
وبالنسبة إلى مركز أبوظبي، فإنه أقدم المراكز وتأسس عام 1993 وفي رحاب غرفة تجارة وصناعة أبوظبي، ومؤخراً عقدت ندوة حول التحكيم في دبي، وأحد المشاركين تساءل إن كانت مراكز التحكيم التابعة لغرف التجارة تؤثر في استقلالية الأولى .
وأعتقد من وجهة نظري أن مراكز التحكيم وإن تبعت غرف التجارة، إلا أنها مستقلة تماماً في تعاملها بالمهمة الملقاة على عاتقها، وأعود للحديث عن مركز أبوظبي الذي لديه قواعد خاصة للتوفيق والتحكيم وحُدّثت هذه القواعد وأصبحت نافذة المفعول، ويتسم المركز بتنوع القضايا وأغلبها عقارية وهناك قضايا الوكالة بالعمولة والمنشآت والمشاركة وقضايا فنية .
وإضافة إلى عمل المركز المتصل بالإشراف ومتابعة التحكيم والتوفيق، فإن مركز أبوظبي نشط في الآونة الأخيرة في إعداد الدورات والندوات لإعداد محكمين أكفاء .
وبخصوص مركز الشارقة للتحكيم التجاري فقد تأسس عام 2009 وهو يقدم أفضل الخدمات ولديه هدف نحو أن يكون معروفاً ويكسب رجال الأعمال والمستثمرين، والمركز نشط في مجال إعداد المحكمين، لكن مع الأسف الدورات التي يجريها لإعداد محكمين في غضون يومين وثلاثة أيام، أرى أنها غير كافية حقيقةً، لكن الجهد مشكور من قبل مركز الشارقة لتنمية الثقافة التحكيمية في مجتمع الإمارات .
وأما مركز عجمان فقد تأسس عام 2004 وقواعده لا تكاد تختلف عن قواعد المراكز الأخرى، لكن هناك بعض المآخذ منها تحليف المحكم، وفي حالة عدم قيام أحد الأطراف في تعيين محكم، فإن المفروض أن تعين اللجنة التنفيذية المحكم، ومن أهم المعوقات في التحكيم الآن هو تبليغ الأطراف وبالأساس المحتكم ضده، فتجد هذا الأخير مسافر أو أقفل شركته أو لم يستلم التبليغ أو حتى بدّل عنوانه، وبالتالي نصبح أمام طريق مسدود، وبرأيي للحفاظ على سرية التحكيم يجب ألا يكون هناك تبليغ بالنشر، ولم نجد أي قرار من المحكمة العليا أو محكمة التمييز أو في التشريع الإماراتي، يمنع من التبليغ بالنشر بالنسبة إلى التحكيم، والحقيقة سرية التحكيم في جلسات التحكيم وفي الحفاظ على سرية ما يجري في الجلسات وما يخص التحكيم، لكن ليس بالإعلان للغائب بأن هناك قضية تحكيم، والشيء الجيد أن قررت اللجنة التي تدير المركز ووافقت الغرفة التجارية في عجمان وقمنا بالإعلان لعدة قضايا واستؤنفت وصدرت أحكام وصادقت المحكمة على ذلك، وهذه المعضلة المتصلة بالتبليغ استطعنا تجاوزها وهي مهمة جداً، ومركز عجمان مثل بقية المراكز يحاول توسيع أعماله وعقد دورات .
وأخيراً أتطرق إلى مركز رأس الخيمة الذي تأسس عام 2008 ويُعنى بالتوفيق والتحكيم، وهناك لجنة للتحكيم يشكلها مجلس الغرفة من أعضائه، والفرق بالنسبة إلى المراكز الأخرى أن اللجنة التنفيذية هي من يشرف ويدير التحكيم، ورغم حداثة مركز رأس الخيمة إلا أنه بدأ يتسلم قضايا عدة، خصوصاً أن إمارة رأس الخيمة صدّرت قرارات كثيرة تشجع على الاستثمار وتشجع على إقامة المشاريع الصناعية واستقدام رجال الأعمال .
د . حبيب الملا:
هناك نقطة أساسية ينبغي أن نقر بها، وهي أن كعكة التحكيم كبيرة جداً على المستوى العالمي، ومن المحاور الرئيسية لاقتصادات بعض الدول هي موضوع التحكيم التجاري، وغرفة التجارة الدولية في باريس ومركز التحكيم- سنغافورة كمثال، ويمكن القول إن مراكز التحكيم في دولة الإمارات مرت بعدة مراحل، المرحلة الأولى كانت عبارة عن لجان مصالحة أو تسويات وقد تسمى مراكز تحكيم ضمن أنشطة غرف التجارة الموجودة في الدولة، والمرحلة الثانية وهي المرحلة الحالية، تتصل بإعطاء نوع من الاستقلالية الإدارية والتنظيمية والفنية لمراكز التحكيم، وأتحدث هنا تحديداً عن مركز دبي للتحكيم الدولي، ومن واقع خبرتي في هذا المركز أوضح أنه تأسس بمرسوم من صاحب السمو حاكم دبي، حيث أنشأ للمركز استقلالية إدارية وتنظيمية، وأعطاه شخصية اعتبارية مستقلة، لكن تحت مظلة غرفة التجارة وإن كان المصطلح فيه نوع من الإبهام والغموض، حيث نص على أن “ويلحق بالغرفة”، وعبارة الإلحاق هذه غير واضحة، لكن التطبيق العملي لها أن مقر المركز يكون داخل غرف التجارة، وبتصوري الشخصي أن المرحلة الثانية التي تحدثت عنها هي انتقالية، ومآل هذه المراكز لا بد أن تقود يوماً من الأيام إلى الاستقلالية التامة، إذا أردنا أن يتطور واقع التحكيم في الدولة .
ثم إن التحكيم يتبع الاقتصاد وطالما أن اقتصاد الدولة نشط وقوي، فإن التحكيم في الدولة نشط وقوي، وعلى سبيل المثال أكبر مركز تحكيم في العالم هو غرفة التجارة الدولية في باريس .
وعليه يمكن القول إن أكثر من 30% من قضايا هذه الغرفة تأتي من المنطقة، وأتحدث هنا عن مئات المليارات من الدولارات، وهذا يدل على أهمية المنطقة وحجم وكم التحكيم الموجود، وإن يعتبر هذا مؤشراً جيداً إلا أنه خطير أيضاً، بمعنى أن هناك أموالاً هائلة وقضايا ضخمة تلجأ إلى الخارج لأسباب منها قد يكون لعدم الثقة في مراكز التحكيم الموجودة، أو عدم الثقة في المنظومة المتكاملة التشريعية المنظمة للتحكيم، وكما تحدثت سابقاً بخصوص مركز دبي للتحكيم، فمن حيث عدد القضايا يعتبر هذا المركز من أكبر خمسة مراكز تحكيم في العالم، وهناك أكثر من ألف قضية متداولة في اليوم في المركز، وجزء كبير يعود إلى الطفرة العقارية وما نتج عن ذلك من أزمة عقارية حدثت، لكن جزءاً كبيراً أيضاً يتوقع له أن يستمر بسبب النشاط التجاري الموجود في الدولة، و75% من القضايا المتداولة في المركز هي باللغة الإنجليزية، وهذا يدل على مدى التنوع الذي يقوم به مركز دبي من حيث خدمة المجتمع التجاري الموجود في الإمارات .
د . محمد الكمالي:
إضافةً إلى ما أسلف به الدكتور فوزي، يوجد أيضاً مركزين للتحكيم، المركز الإسلامي ومركز دبي العالمي (DIFC) . ثم إن الدكتور حبيب الملا أثار موضوعات مهمة، لكن ما سبب أن 30% من قضايا المنطقة تذهب إلى الخارج، هل يتصل هذا بنقص مراكز التحكيم عندنا أم نقص المحكمين وعدم أهلية وكفاءة هؤلاء، وهل المحكمون الموجودون مسجلون في مراكز التحكيم خارج الدولة؟
د . علي الحديثي:
لاحظت من تجربتي أن الشركة التي يكون فيها عنصر أجنبي تفرض التحكيم في مركز أجنبي، ولجوء 30% من قضايا التحكيم خارج المنطقة العربية، تعود بسبب وجود عنصر أجنبي لا يقبل بالتحكيم في الوطن العربي، إلا ربما بعد أن يصل مستوى التحكيم كما هو حالياً في دبي، ويبدأ يدرس الأجنبي الواقع ويصل إلى قناعة بأن منازعاته ستحل على أرض الإمارات .
أضف إلى ذلك أن الثقافة التحكيمية لدى جمهورنا في الأمة العربية ضعيفة جداً، وكنت أمين عام ومؤسس مركز عجمان كما شغلت مع الدكتور حبيب الملا عضوية مجلس أمناء دبي للدورة الأولى، وفي وقتها أعددنا أكثر من دورة للشركات والإخوان المستثمرين لإقناعهم بموضوع التحكيم، إلى أن اضطررت لوضع بند التحكيم في عقود للبلدية، ولمسنا آنذاك ضعف الثقافة والقناعة التحكيمية لدى جمهور المستثمرين في مراكز التحكيم العربية، حيث إنهم قد يعرفون مراكز التحكيم الدولية لكن يجهلون المراكز العربية، وفي موضوع الدورات المتعلقة بالتحكيم، شاركت في دورة حضرها 20 شخصاً تحت اسم محكم دولي .
أحمد الرشيد:
أعتقد أن هناك إشكالية كبيرة في عملية التحكيم بدولة الإمارات، حيث إن التشريع الاتحادي ما زالت فيه عشر أو ست عشرة مادة تنظم عملية التحكيم عندنا، ورغم ذلك انتشرت مراكز التحكيم، وهناك أصلاً كثير من العقود خصوصاً في إيجارات السفن وغيرها من العقود، اشترطت في حال حصول نزاع أن يُحال إلى التحكيم خارج الدولة، وأحياناً يُحال إلى غرفة التجارة الدولية، ومع الأسف الغرب يسعى إلى نزع قضايا من هذه المنطقة من أجل المحكمين المسجلين في مراكز الغرب ومعظم هؤلاء أجانب، وهذه مسألة مهمة جداً ويفترض أن يكون هناك تدخل تشريعي من قبل الدولة، على غرار ما هو حاصل في قانون الوكالات التجارية، حيث إن هذا القانون أبطل أي نص ينص على أن يعقد التحكيم خارج الدولة، وبالتالي جعل الاختصاص لمحاكم الدولة، وهذا لم يؤثر في الاقتصاد ولم نكن نحن تحت فزاعة الاقتصاد، بحيث إنه في حال أصدرنا نصاً يتصل بإجراء التحكيم في الدولة فسيكون هناك هروب من عقد صفقات تجارية في دولة الإمارات، ولذلك أعتقد أنه يجب أن يكون هناك تدخل تشريعي من جانب الدولة .
د . محمد الكمالي:
الدولة قطعت شوطاً كبيراً في التشريع الخاص للتحكيم، وأعتقد أننا اقتربنا من الإعلان الرسمي عنه، وفيما يتعلق بموضوع أن يكون المحكمون قانونيين أم أصحاب مهن أخرى، فيمكن القول إن الأنظمة مختلفة لكن ينبغي أن يكون المحكم مطلعاً وملماً بمهنته وفاهماً للأمور القانونية، والحقيقة أنه في حكومة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لا يوجد مستحيل، ومثلما وصلنا إلى المراكز الأولى في كثير من المجالات، فإننا سنصل بالتحكيم إلى مراكز متقدمة ونتخطى المراكز الدولية الأخرى، إنما ذلك يتطلب وضع خطط استراتيجية والتحرك وفق أهداف معينة حتى نصل إلى مرادنا .
أحمد العجلة:
مثلما تفضل الدكتور الكمالي فإن مشروع القانون الاتحادي حول التحكيم سيصدر قريباً، ودائماً نعقب على التحكيم في الدورات والمحافل القانونية، أن من بدأ وأظهر هذه الفكرة هو الإسلام وعالمنا العربي، لكن مع الأسف تراجعنا في ذلك والغرب هم الذين سعوا وتطوروا في هذه المسألة، والمثال الأكبر على ذلك (ICC) غرفة التجارة الدولية، حيث تأسسوا بداية القرن السابق، أي نحو مئة عام . في موضوع مركز الشارقة، يمكن القول إنه من المراكز التحكيمية المستحدثة، حيث تأسسنا على أيادي خبراء، وشركاؤنا في مركز دبي وأبوظبي يشكرون على ذلك .
وبخصوص قيد المحكمين نحن كل عام نقيد محكمين وخبراء من ضمن قائمة وبناءً على برنامج تأهيل وإعداد المحكمين، وتكون خمسة برامج مختلفة وكل برنامج يكون لمدة أسبوع، ولا يتم قبول هؤلاء جميعهم كمحكمين لدينا، ومن جانبنا ندرس كل حالة على حدة، ومن يتم قبوله يخضع للتدريب والتأهيل، وما كنا نتمناه ونسعى إليه هو أن يكون لدينا منظومة موحدة بالنسبة إلى مراكز التحكيم في الدولة، وأن نتوحد تحت مظلة أو إطار واحد، والحمدلله عقدنا شراكة بيننا ومركز دبي للتحكيم وأبوظبي للتوفيق والتحكيم وجمعية الإمارات للمحامين أيضاً، والآن نسعى باستحداث أمور تميز التحكيم في الدولة، حتى نكون في قارب وقالب واحد لتطوير منظومة التحكيم .
شعبان رأفت:
إن عدم إصدار قانون موحد للتحكيم حتى الآن، هو من المعوقات التي تواجه عملية التحكيم، إضافة إلى عدم توحيد اللائحة الإجرائية في مراكز التحكيم، وإن كانت متشابهة إلى حد ما، إلا أنه لا يزال هناك اختلاف في القواعد الإجرائية بين كل مركز عن الآخر، وثانياً فيما يتعلق بالمحكمين من حيث التأهيل والخبرة، يمكن القول إن تأهيل المحكمين لا يزال لا يرتقي إلى الدرجة المطلوبة، حيث إن المحكم حين يحصل مرحلة معينة من الدراسة أن يكون مؤهلاً للفصل في منازعة أو قضية تحكيم، والخبرة العملية ضرورية للمقيدين في التحكيم وإن كانت لديهم خبرة في المحاماة، إلا أن خبرة التحكيم مختلفة، لأن المُحكّم مطالب بالفصل في المنازعة .
ثم هناك قضية عدم نشر المشكلات العملية التي تواجه التحكيم، وهناك محكمون على درجة عالية من الخبرة، لكن تواجههم صعوبات في عملية التحكيم، ومن لديه خبرة بسيطة لا يستطيع التعرف إلى مشكلة تواجه المحكم في قضية معينة أو نزاع معين، وإذا تحدثنا عن سرية التحكيم وفي حال نشر حكم التحكيم هل يعتبر ذلك إخلالاً في السرية، لكن حكم التحكيم حين يتم التصديق عليه فإنه تنتهي السرية بحكم التحكيم .
وجدي الشاذلي:
موضوع هذه الندوة مهم وعلى درجة من الخطورة، باعتبار أن التحكيم أصبح من متطلبات الدورة التنموية في هذه الدولة التي تستقطب كبار المستثمرين الأجانب وكافة الفاعلين الاقتصاديين، ولا تخلو ساحة التحكيم من إشكاليات، وهذا طبيعي بالنسبة إلى دولة صاعدة وجاذبة للاستثمار أن تكثر فيها الظواهر الاجتماعية والاقتصادية المتطورة، لكن تكثر معها إشكالياتها، ومن المهم التشخيص الحقيقي ومعالجة هذه الإشكاليات . من بين مشكلات التحكيم موضوع استقلالية مراكز التحكيم، وأن يكون مركز التحكيم في كنف غرفة التجارة والصناعة فهذه مشكلة وهمية، لأن هذا الاحتضان يأتي كوعاء لا أكثر ولا أقل، ولا يمكن أن نتصور بأن تؤثر غرف التجارة والصناعة في مراكز التحكيم، بدليل أن الأخيرة لا تشكو من محاولة التأثير من هذه الغرف، لكن أن أسمع أن الهيئة التسييرية لمركز التحكيم منبثقة عن هيئة غرفة التجارة والصناعة فإن ذلك قد يؤدي إلى المساس باستقلالية المركز، والقاعدة والأصل أن تكون الهيئة التسييرية والتنفيذية للمركز مستقلة عن تركيبة وأعضاء الغرفة، وفيما يتعلق بأعضاء مركز التحكيم فإن أهم عنصر هو العنصر البشري أي المحكم، وعليه يمكن القول إن هناك تخبطاً مع الأسف بخصوص معايير تعيين هذا الشخص المهم، فما هي هذه المعايير وكيف للمركز أن يعين المحكم بصفته تلك؟ وهل هناك معايير مشتركة؟ ما ألحظه أثناء احتكاكي بمسائل التحكيم سواء على مستوى القضايا أو الفاعلين بهذا الميدان، أنه لا توجد معايير مشتركة على مستوى دولة الإمارات وبين مختلف مراكز التحكيم، وأتمنى بأن يتم جمع شتات هذه المراكز وذلك سيقوي هذه الوسيلة على المستويين الإقليمي والدولي، ولا أرى مانعاً لوجستياً ولا حتى عملياً في هذه الخطوة، مع بقاء استقلالية كل مركز، لكن جيد أن تكون هناك مظلة تجمع الجميع وعلى أن تحتم اشتراط وتوحيد معايير تعيين المحكمين، وكذلك ستحتم اشتراط وتوحيد معايير تكوين وتأهيل هؤلاء المحكمين، وستحتم أيضاً اشتراط وتوحيد الإجراءات المعمول بها لدى هذه المراكز .
د . مجدي قاسم:
فيما يتعلق بموضوع التبليغ والإعلان فإننا لا نبحث عن وسيلة الإعلان والنشر وإما على مكان الشخص الغائب، وفي هذه الحالة تلتقي هذه المسألة مع وسائل التكنولوجيا والتواصل الإلكتروني، وبالتالي فإن التحكيم قائم على الإرادة والعقد، وبدون عقد لا يمكن تسجيل النزاع، وإذا لم يشر في العقد في بند من بنوده بالتحكيم فلن تسجل النزاع لأنك حينها لن تكون مختصاً، ولا يوجد عقد لا يذكر فيه محل مختار للطرفين، وهذا المحل المختار يشكل في القانون وفقاً للمادة (8) من قانون الإجراءات المدنية الاتحادي، ما يسمى بالمكان الذي ينبغي أن أعلن فيه، وتحديداً طريقة إعلان الغائب يحددها بأنها آخر محل إقامة معلوم، وهذه الإجراءات ينبغي أن تكون قانونية سليمة .
فيما أثير حول التأثير في استقلالية المراكز من قبل غرف التجارة، أؤكد أن المناخ في الدولة صحي ولم تثر مثل هذه الموضوعات، لكن يفضل أن نصل إلى مرحلة معينة من النضج التحكيمي بأن نفض هذا الارتباط بين الغرف ومراكز التحكيم، والنموذج الذي يسير به مركز دبي للتحكيم موفق، خصوصاً وأن مجلس الأمناء لا ينتمي أي منهم إلى غرفة التجارة، إلى جانب أن المركز لديه استقلال مالي وإداري .
د . فوزي سامي:
بخصوص الدورات أقول إنه حتى لو خضع الشخص لدورات في التحكيم ولمدة أربعة أيام في الشهر ولأربعة أشهر، فإن ذلك لا يعطي للشخص الذي تابع هذه الدورات صفة المُحكّم، أما فيما يتعلق بالنشر، يمكن القول إن التبليغ ينبغي أن يكون بالنسبة إلى العنوان الموجود في العقد وعبر كافة الوسائل، البريد المستعجل أو الفاكس والتحري ووسائل التكنولوجيا . . . إلخ وفي حال لم يصل التبليغ إلى الشخص، حينها يمكن الإعلان، لكن ليس أن نعلن على الفور وإنما بعد استنفاد كافة الطرق .
د . جمال السميطي:
يمكن حصر التحديات التي تواجه التحكيم في الإمارات بتحديات تشريعية وهذه تحدث عنها الدكتور محمد الكمالي لجهة التطرق للقانون الاتحادي للتحكيم الذي قد يصدر خلال الأشهر المقبلة، لأن المُحكم في نهاية المطاف سيطبق مجموعة من القوانين، وربما في بداياتها سيطبق قانون الإجراءات المدنية وسيستعين بها، والتحدي الآخر يتصل بالوعي ويبقى القول إن التحكيم هو وسيلة من الوسائل البديلة لحل المنازعات، والمراقب للاتجاه العام للقيادة في الإمارات، يجد أنها ماضية في تشجيع الأفراد والمؤسسات نحو اللجوء للوسائل البديلة، وهناك وسائل حاضرة ويتم اللجوء إليها مثل التحكيم الأسري والإصلاح الأسري، وهناك وسائل وقضايا تتعلق بالأحوال الشخصية وأخرى تتعلق بقضايا عمالية والإيجارات، وهذه تعتبر بديلة للجوء إلى القضاء، وربما يعتبر التحكيم أهم هذه الوسائل، وحقيقةً هناك قصور في الوعي وهذا يتطلب الحاجة إلى تثقيف الناس، خصوصاً وأن العقلية العربية لا تزال تفضل الذهاب إلى المحكمة بدلاً من التحكيم .
وفي موضوع تأهيل المُحكّمين، أؤيد بأنه ليس من الضروري أن يكون المُحكّم قانونياً، لكنه بحاجة إلى ثقافة قانونية، والدورات التدريبية ليست كافية، إنما هو بحاجة إلى مسار تدريبي وتأهيلي كامل ومتكامل، وعلى مراكز التحكيم في الدولة أن يكون لها دور في الإعداد والتدريب لمُحكّمين مواطنين، وأقصد بذلك البدء بدورات ومن ثم إعطاء المُحكّمين قضايا تحكيمية بسيطة، إلى أن يتمكنوا من التحكيم في قضايا صعبة، وبخصوص الاستقلالية يتفق الجميع على وجود استقلالية في عمل مراكز التحكيم، لكن الغرب أول ما ينظر إنما ينظر إلى قانون إنشاء المركز، وقد يتحفظ على موضوع إلحاقه بغرف التجارة، ونعلم أنه لا توجد تدخلات لكن علينا الوقوف أمام مثل هذه التحديات .
والحقيقة أننا بحاجة إلى نظام تحكيمي في الإمارات يشار إليه بالبنان، وأعتقد أن مقومات مركز التحكيم الناجح محصورة في ثلاثة أمور، أولها التشريع بحيث إنه بحاجة إلى منظومة تشريعية سواء على مستوى الدولة نفسها أو حتى على مستوى مراكز التحكيم، والحمدلله في الإمارات قطعنا أشواطاً كبيرة في موضوع التشريع، وثانياً نحتاج إلى عناصر بشرية وجهاز إداري متمكن، وبلا شك هناك جهود مبذولة للارتقاء بمراكز التحكيم، إنما نحتاج أيضاً إلى التكاتف فيما بين هذه المراكز، وثالثاً نحتاج إلى بيئة داعمة وهذه متوفرة لدينا، وهذا يقودني إلى اقتراح التأسيس لجمعية للتحكيم والمحكمين، وأعتقد أن هذه الجمعية يمكنها تجميع المحكمين والمراكز المعنية، وعلى أن تكون مفتوحة أمام المعنيين نحو تحسين البيئة التحكيمية في الدولة .
أحمد الزعابي:
من وجهة نظري أعتقد أن الإشكالية الكبيرة التي تؤرقنا هي في حكم التحكيم وفي تنفيذه، والإشكالية في التشريع أو القانون رقم (11) لعام 1992 والمعدل بالقانون (30) لعام ،2005 واليوم لا نستطيع أن ننفذ أي حكم التحكيم إلا بعد رفع دعوى مصادقة أمام المحكمة، وبعد رفع هذه الدعوى نجد أن الطرف الآخر يرفع دعوى بطلان حكم التحكيم، وهذه تعتبر من أكبر الإشكاليات التي يعانيها حكم التحكيم والتي تجعل جميع الأطراف بما فيها الأجنبية، للتحكيم خارج الدولة، لذلك علينا الوقوف أمام ضرورة تعديل قانون الإجراءات المدنية الخاص بالتحكيم، وفي نقطة أخرى وجدتها مهمة وهي موضوع الإعلانات، أعتقد بأنها ستحل خصوصاً وأن المشروع الجديد سيتضمن الإعلان عن طريق البريد الإلكتروني والفاكس ومحل العنوان المختار، وسيسلك التشريع جميع الطرق لإعلان الأطراف بشأن المنازعات، ولن يتم الوصول إلى الإعلان بالنشر إلا إذا تعذرت كل تلك الإعلانات، وعلى جميع الأطراف إذا رغبت أن يكون التحكيم طريقها لحل هذه المنازعات، أن يسجلوا عناوينهم في العقود التي تبرم بينهم .
أما الإشكالية الأخرى فتتصل بضرورة دعم المحكمين المواطنين، وذلك عبر إشراكهم في اللجان التحكيمية للاستفادة من خبرات المحكمين، حتى يكتسبوا الخبرة العملية الكافية، ثم إننا كمحامين في الإمارات مارسنا كافة أنواع القضايا، ومن وجهة نظري فإنني أتحيز للمحامين وأرى أن المحامي إذا كان محكماً، يستطيع أن يعطي في هذا الجانب أكثر من غيره من الأطراف .
عبدالله دعيفس:
أجد في هذه الندوة بداية عملية لتصحيح مسار التحكيم والاتفاق بيننا كمراكز على نظام التحكيم في الدولة، وعلينا أن نتساءل حول ما الهدف من التحكيم؟ هل الهدف هو الحفاظ على حقوق المحتكمين أم الهدف من إنشاء مركز مالي؟ إذا نظرنا إلى الأمور بطريقة مالية فهذا يعني أننا لا نعمل لمصلحة المحتكمين، ثم إن بداية التحكيم لدينا حديثة والثقافة التحكيمية في الدولة حديثة، لذلك حين نقارن أنفسنا مع الدول والمراكز الأخرى في مجال التحكيم، فإننا بهذا نكون قد ظلمنا أنفسنا، وبالنسبة إلى التحكيم نحن محصورون اليوم بست عشرة مادة في قانون الإجراءات المدنية، وعلاج هذا يتطلب تعديل التشريع الذي يتطور من خلاله التحكيم، وأقترح إشراك أهل الاختصاص في التحكيم في مجال التشريع، وعلى سبيل المثال قانون التحكيم لابد أن يمر على المختصين في الميدان من أهل المراكز التحكيمية وغيرهم، وبالتالي حينها نحصل على قانون تحكيم متوازن ويحفظ حقوق الناس . وبخصوص الدورات التأهيلية بمركز الشارقة، نحن بصدد تقييمها والتأكد إن كان لها مردود إيجابي على إعداد المحكمين، وبعد ذلك نتفق مع مراكز التحكيم في الدولة بحيث تدير جهة واحدة هذه العملية، وأن يكون هناك اتفاق بين المراكز على إعداد المُحكّم، وعلى أن يكون إطار واحد لإعداد المُحكّم حتى لا يحصل التضارب بين المراكز، لذلك أرى من المهم إيجاد آلية لتخريج المُحكّمين، وهذه الفكرة حاضرة لكن لم يتم تطبيقها بعد، ثم إنه لا بد من التعاون مع القضاء، وأن يتأكد لدى الأخير أن للتحكيم دوراً تكميلياً يتصل بحماية مصالح الشركات والأفراد، خصوصاً وأن الهدف الأساس يرتكز على خدمة القطاعات الموجودة في الدولة، والحقيقة أن على التشريع معالجة حكم التحكيم، باعتباره مرحلة من مراحل نظر الدعوى ويأخذ درجة من درجات التقاضي، وبذلك نكون قد ساعدنا مراكز التحكيم والمجتمع وقطاع الاستثمار، بأن تنظر للتحكيم باعتباره بيئة إيجابية للنظر في المنازعات .
د . عبدالستار الخويلدي:
أضم صوتي إلى ما قيل حول إن التحكيم مجال واسع من ناحية الكم والكيف، ومن ناحية الكم إن هناك آلاف القضايا تعرض سنوياً داخل وخارج المنطقة العربية، ومن ناحية الكيف أنه يوجد تحكيم متخصص أو التحكيم في مجال الصناعة الإسلامية الذي ينتهجه المركز وأكدته عاصمة دبي الاقتصاد الإسلامي، وحينما بدأ المركز الإسلامي نشاطه الفعلي في يناير/ كانون الثاني ،2007 واجهتنا مشكلات تتعلق بالفراغ في الثقافة التحكيمية، ولاحظنا أن المؤسسات التي تحتكم إلى المركز ليست لديها تصور حول التحكيم، ثم كذلك المحيط القانوني من ناحية الخبراء والمحامين، لأن هذه تعد منظومة متكاملة، ولا بد أن تتضافر فيها الجهود كافة بين المُحكّم والقاضي والخبير والمحامي، وشرعنا منذ فترة لتأهيل المحكم حتى يجمع بين ثلاثة أبعاد، الأول هو البعد الفني ومن ثم البعد القانوني ثم البعد الشرعي، والمعاملات بالنسبة إلى المركز لا تخلو من هذه الأبعاد، والسؤال الحقيقي في الموضوع يتصل بما هي مواصفات التحكيم المؤسسي الناجح؟ وهذا مرتبط بشقين، حيث يتعلق الأول بالمركز من ناحية اللوائح وتأهيل المحكمين، أما الشق الثاني فيتعلق بالبيئة القانونية، وعلينا النظر هنا في هذه البيئة، لأنها مهمة جداً، خصوصاً من ناحية المراكز الدولية، ثم كذلك القانون من الداخل .
وهنا أشير إلى نقاط تم ذكرها مثل موضوع التصديق، وخلاصة الأمر في هذا أننا نسوق للتحكيم على أن فيه سرعة وخبرة، ومن ثم كل ما كسبناه طيلة فترة إجراءات التحكيم يضيع في التصديق، لأن هذا الأخير أصبح قضية قائمة بحد ذاتها، وهناك نقطة أخرى تتعلق بالأهلية، إذ توجد قضايا كثيرة تبطل بناءً على المادة (103) من قانون الشركات، بدعوى أن المدير العام أو رئيس مجلس الإدارة غير مرخص له من قبل الجمعية العمومية، بينما تضع المؤسسات المالية هذه العقود ووزعت على الكثير من الأشخاص والمؤسسات، ولم تراع بعض تلك المؤسسات ذكر أن رئيس مجلس الإدارة غير مرخص له من قبل الجمعية .
زايد الشامسي:
سأتحدث في هذا الموضوع من نقطتين، الأولى تتعلق بدور جمعية الإمارات للمحامين والقانونيين في المساهمة بتطوير التحكيم ونشر الوعي القانوني بالنسبة إلى موضوع التحكيم، حيث اجتمعنا خلال العام 2014 مع مراكز التحكيم الموجودة في الدولة، لإعداد دورة مبتكرة في التحكيم، واستقررنا على أن تكون هناك دورة لخمسة أقسام، وكل قسم لمدة خمسة أيام، وهناك قسم نظري وآخر عملي، مع وجود ورش عمل، وهي محاولة لتخريج مُحكّم قادر على إدارة القضية التحكيمية بطريقة حرفية، والحمدلله نحن ماضون في هذه الدورة وفي تفاصيلها رائعة ويمكننا بناء خبرة جيدة للقضية التحكيمية، ولا يفوتني الحديث أننا أقمنا مع مركز التحكيم الإسلامي بقيادة الدكتور عبدالستار الخويلدي، دورتين لأعضاء جمعية الإمارات للمحامين والقانونيين، الذين استفادوا من هذه الدورة وأثروا الساحة التحكيمية بمعلوماتهم وما تلقوه في هذه الدورة . أما النقطة الثانية فتتعلق بالتحكيم نفسه، وأتساءل هنا هل هناك تنافس بين التحكيم والقضاء؟ من عيوب التحكيم سابقاً ما يتصل بالتأخير وأنه يأخذ وقتاً طويلاً، والملاحظ أن سرعة الإنجاز في القضاء تسبق الإنجاز في التحكيم، إلى جانب أن الرسوم الموجودة في التحكيم عائق محلي، حيث إن الشركات ترى أن رسوم المحاكم أقل من التحكيم، وهذه إشكالية ينبغي تلافيها حقيقةً، ثم ينبغي أن تكون هناك سلطة أكبر للتحكيم سواء في الحجز أو إصدار الأحكام والتنفيذ، وبخصوص الخبرة حسناً فعلت مراكز التحكيم في الدولة بأن بدأت توعي وتدرب وتخرج محكمين، ونتمنى على هذه المراكز أن تشرك المحكمين الجدد مع الخبراء القدامى للاستفادة منهم في هذا الإطار .
وأما في موضوع السرية أعتقد أنها ينبغي أن تكون كذلك على الأسماء والقيمة، إنما ما من مشكلة إذا تم التعرف إلى معلومات القضية المحكمة .
وجدي الشاذلي:
رداً على تساؤل إن كان التحكيم منافساً للقضاء، أقول إن التحكيم صديق للقضاء وحكم التحكيم دائماً مرحب به لدى القضاء، والأصل هو القضاء والتحكيم هو المحدث، ولا ننسى أن التحكيم من الوسائل البديلة عن التقاضي، ومن مصلحة القضاء التخفيف من الأعباء عليه وترك المجال لهذه الوسائل البديلة، وفي إطار آخر وطالما أن قانون التحكيم لم يصدر بعد، فأتمنى إدراج بعض التعديلات والتحسينات عليه، في إطار ما أسلف عنه الدكتور مجدي والإخوة .
د . علي الحديثي:
ثمة من أشار إلى أن التحكيم بدأ أوروبياً وآخرون قالوا إنه بدأ بالإسلام، والحقيقة أن التحكيم موجود قبل الإسلام، وأشهر محكم في الإسلام هو الأقرع بن حابس، وحينذاك لم تكن هناك دورات للمحكم، ذلك أن الأقرع بن حابس كان مشركاً، وبعد أن أسلم سألوه أنه لم يكن هناك إسلام وكنت ترفض احتساء الخمر واليوم أسلمت، لكن لماذا لم تحتس الخمر؟ فقال ويحكم أُحكّم في أمور العرب ويُقبل حكمي في النهار وأفقد عقلي في الليل، ماذا تقول عني الأعراب . هذا فيما يتعلق بأخلاق المحكم وضرورة أن يكون حيادياً .
د . حبيب الملا:
العالم متفق على نموذج موحد لقوانين التحكيم والدول تُصنّف إلى صنفين، واحدة اعتمدت الأونسيترال وأخرى اعتمدتها بتحفظات، ولذلك لا نحتاج إلى إعادة اختراع العجلة من جديد . وفيما يتعلق بالتأهيل والتدريب، فإن أكبر جهة معتمدة ومعترف بها في العالم بخصوص هذا الموضوع هي المعهد القانوني لتدريب المحكمين في المملكة المتحدة، وله دورات متخصصة تبدأ بمرحلة التأسيس ودرجة الزمالة، تعقد دورات في أماكن كثيرة من دول العالم بما في ذلك دولة الإمارات، حيث يوجد هناك فرع محلي أترأسه حالياً، وقمنا بتعريب الدورة الابتدائية، لكن المشكلة التي واجهناها أننا لم نجد مُحكّمين عرباً مؤهلين لإدارة الدورة، وجمعنا عدداً من المحكمين من دول عربية مختلفة، وعقدت دورتين وصدرت عنها شهادات وهي معترف بها على مستوى العالم، ولذلك أقول لا نحتاج إلى إعادة اختراع العجلة من جديد، فالدورة موجودة والمواد موجودة، وفقط ما نحتاج هو الإكثار من هذه الدورات والمحكمين المؤهلين لإدارة هذه الدورات .
د . فوزي سامي:
هناك عائق كبير في مجالات التحكيم في نص بقانون المرافعات المدنية والمتعلق بالفصل الخاص في الوكالة بالخصومة، المادة (58) الفقرة (2) التي تنص على أنه لا يصح بغير تفويض خاص الإقرار بالحق المدعى به أو التنازل عنه أو الصلح أو التحكيم . . . إلخ، ومحكمة التمييز والمحكمة العليا تفسران هذا النص أنه من ليس لديه تفويض أو وكالة خاصة بالتحكيم فلا يستطيع أن يوقع على شرط التحكيم، وهذه حقيقة الوكالة في الخصومة ولنفرض أن محامياً وكّل في دعوى معينة، فإنه لا يستطيع أن يطلب من المحكمة الذهاب إلى التحكيم، ولا يستطيع أن يتنازل عن التحكيم، لكنه مدير عام مفوض بالتوقيع على العقود، والعقود كافة تقريباً توقع من موظفين يعملون في شركات التطوير، ثم يأتي المحتكم ضده ويقول إن موكلي ليس له صفة وأن هذا الشرط باطل، فأين تذهب؟ الحقيقة النص موجودة والمفروض أن يفهم بأن الموضوع خاص بالخصومة، لأن النص جاء في الفصل الخاص بالوكالة بالخصومة وليس بشيء آخر، وهذا فيما يتعلق بتعديل قانون المرافعات، وبالنسبة إلى العوائق هذا يعتبر أحد أهم العوائق، ثم هناك مشكلة تتصل بعدم الأخذ بالوكالة الظاهرة، إلى جانب موضوع عدم خبرة المُحكّم، حيث وجدنا في أحد المراكز أحكاماً تكاد تكون بطالة، لجهة أن التوقيع غير صحيح والحكم يصدر بدون تاريخ أو وثيقة التحكيم غير موجودة، واضطررنا لمراجعة مسودات الأحكام قبل إصدارها بشكل نهائي .
وأتساءل: لماذا لا تُراجع أحكام التحكيم قبل صدورها نهائياً، وفعلاً بهذه الطريقة نستطيع حفظ حقوق الناس، وأقترح أن يتولى المعهد القضائي تدريس مادة التحكيم، إلى جانب أهمية تضمين التحكيم في الدراسة الجامعية وتناول مساقات جديدة مهمة مثل التجارة الدولية والتحكيم التجاري والتجارة الإلكترونية، وأقترح على وزارة العدل أن تُصدر مجموعة أحكام التحكيم .
د . مجدي قاسم:
المادة (255) من البند رقم (2) لقانون الإجراءات المدنية الاتحادي، يعطي مسألة الحجز التحفظي، ولذلك لا يوجد قرين لها على مستوى التحكيم، وصاحب المصلحة حين يقوم بعمل حجز تحفظي ولديه شرط تحكيم، فسيواجه بوجود شرط التحكيم، وبالتالي لا يوجد اختصاص، وهذه على المشرع أن يأخذها بعين الاعتبار وبسرعة، وكنا قد اقترحنا صياغة مشروع قدم نصه إلى وزارة العدل، بأن تقديم طلب التحكيم يعامل إقامة الدعوى لدى المحكمة، على أساس أن يتساوى الاثنين مع بعضهما بعضاً فيما يتعلق بعدم السقوط وشرط الثمانية أيام اللازمة لإقامة الدعوى الموضوعية .
د . حبيب الملا:
في دبي تم علاج هذه القضية بطريقة أخرى، حيث يقدم طلب حجز تحفظي، وإذا استجابت له المحكمة ترفع خلال ثمانية أيام دعوى بتثبيت الحجز، ثم تترك تعليقاً بعد رفع دعوى التحكيم ويثبت الحجز .
أحمد الرشيد:
في القضاء الاتحادي حينما ترفع دعوى تحكيم، تقدم دعوى ثمانية أيام إلى المحكم، وهناك حقيقةً إشكاليات كثيرة في قانون الإجراءات المدنية .
عبدالله دعيفس:
نريد الاتفاق فيما بيننا على الجهة التي تتولى إعداد المُحكمين، والدكتور حبيب تطرق إلى المعهد القانوني الذي يعتبر من أفضل المعاهد التي تخرّج محكمين، ولدينا معهد دبي القضائي والمعهد القضائي الاتحادي، وأتمنى أن يتم الاتفاق على آلية لإعداد المحكمين ونستطيع أن ننسق فيما بيننا .
المشاركون
شارك في الندوة كل من:
1- إبراهيم محمد علي: الأمين العام المساعد في مركز رأس الخيمة للتوفيق والتحكيم التجاري .
2- أحمد صالح العجلة: مدير مركز الشارقة للتحكيم التجاري الدولي .
3- المحامي أحمد علي الزعابي: عضو المجلس الوطني الاتحادي .
4- المحامي أحمد محمد الرشيد .
5- د . جمال السميطي: مدير عام معهد دبي القضائي .
6- د . حبيب الملا: رئيس مجلس أمناء مركز دبي للتحكيم الدولي .
7- المحامي زايد سعيد الشامسي: رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للمحامين .
8- شعبان رأفت عبداللطيف: مدير الشؤون القانونية بغرفة تجارة وصناعة الشارقة ومركز الشارقة للتحكيم .
9- د . عبدالستار الخويلدي: الأمين العام للمركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم .
10- المحامي عبدالله إبراهيم دعيفس: رئيس اللجنة التنفيذية لمركز الشارقة للتحكيم .
11- د . علي الحديثي: محكم ومستشار قانوني واستثماري دولي .
12- د . فوزي محمد سامي: مكتب حسين لوتاه- مستشار أقدم ومحكم دولي .
13- المستشار د . مجدي إبراهيم قاسم: المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للتوفيق والتحكيم التجاري .
14- المستشار د . محمد الكمالي: مدير عام معهد التدريب والدراسات القضائية .
15- القاضي وجدي الشاذلي: محكمة الشارقة الاتحادية الابتدائية .
توصيات الندوة
لص المشاركون في الندوة إلى التوصيات الآتية:
1- تطوير المنظومة التشريعية الخاصة بالتحكيم في الدولة .
2- إعداد وتأهيل الكوادر البشرية المنخرطة في التحكيم وتوفير جهاز إداري للبيئة التحكيمية في الدولة .
3- دعم المحكمين المواطنين وتعزيز قدراتهم المهنية والاستفادة من تجارب المحكمين المتخصصين في هذا المجال .
4- التنسيق والتعاون بين مختلف مراكز التحكيم لجهة اعتماد معايير وآليات تتصل بتعيين محكمين أكفاء في مجالات عملهم .
5- التعاون بين مراكز التحكيم والقضاء في الدولة .
6- الدعوة إلى تدخل تشريعي من قبل الدولة في مسألة خضوع التحكيم داخل أراضيها .
7- تعديل قانون الإجراءات المدنية الخاصة بالتحكيم .
8- جمع المراكز التحكيمية تحت مظلة واحدة وتأسيس جمعية خاصة بالتحكيم .
9- إدراج بعض التعديلات والتحسينات على قانون التحكيم الذي لم يصدر بعد .
10- تدريس مادة التحكيم على مستوى المعاهد القضائية في الدولة، وتضمين هذا المساق ومساقات جديدة في المناهج الدراسية .